صحيت من النوم الفجر على تليفوني وهو بيرن برقم محمود صاحبي، استغربت لأننا تقريبا علاقتنا اتقطعت من سنة كاملة، قلبي حس أن فيه مصيبة أو أنه محتاج مساعدة، بدون تفكير رديت بسرعة وسمعت صوت والدته بتصرخ وبتعيط وبتقولي: ألحقني يا حسام، ألحق صاحبك..
محمود عِشرة عمري، أعرفه من أيام ما كنا في اعدادي، وصداقتنا دامت 16 سنة، الا أنه من سنة ونص بدأ يتغير فجأة، مبقناش بنتكلم، مبقاش بيسأل، بقى على طول حابس نفسه في البيت، حاولت كتير أقابله الا انه كان بيرفض، حتى أهله بقوا يشوفوه بالصدفه وهما عايشين مع بعض في بيت واحد، ومن سنة تحديدا الامور ساءت تماما، لدرجة اني لما بقيت اشوفه صدفه في الشارع، كان بيتجنبني، حتى لما كنت اناديله عشان أسلم عليه يسبني ويمشي، ولو عنينا جت في عين بعض، يعمل نفسه مش شايفني!!!.
لكني بعد اليوم ده فهمت كل حاجة، وعرفت ايه سبب التغيير اللي حل على محمود ده وخلاه شخص غريب، وحوله من إنسان جميل وودود، لشخص مغيب..
يومها قومت غسلت وشي وجريت على بيته اللي كان قريب مني وبيفصلني عنه شارع صغير، ولما دخلت لقيت الجيران ملمومة واخواته البنات وامه بيعيطوا، كان مرمي على الأرض، عنيه تكاد تكون خارجه من وشه من أثر الخوف من شئ معين!، وشه أصفر وشاحب، وشبه الهياكل العظمية تقريبا، مع أنه كان رياضي ومواظب يوميا على الجيم!!، وريحة أوضته كانت سيئة جدا جدا، لدرجة تحسسك أنك دخلت غرفة بيعيش فيها حيوان مش إنسان!!، كانت ريحة عطن مبالغ فيها، كان جسمه بيترعش بقوة وبيتكلم وبيخرف بصوت نسائي لكنه غليظ!!، والكل حواليه خايفين يقربوا منه، حتى أنهم يشيلوه ويرفعوه على السرير!!..
شيلته بسرعة وساعدني أحد الجيران حطناه على سريره واتصلت بالاسعاف، حاولت أسأل عن سبب اللي حصل، لكن أسرته كانوا منهارين تماما، وجت الاسعاف بعد وقت قليل وروحنا معاه للمستسفى، وهناك كان التشخيص، صدمة عصبية حادة، وجفاف..
انت عارف وكنت شاهد على بداية تغييره، لكن اللي يمكن متعرفهوش اني كنت بلاقيه في الاول بيشتري كتب شكلها غريب، عليها وفيها رسومات ورموز وحاجات عجيبة، ولما سألته خباهم، واتنرفز ومنعني أدخل انضف اوضته، كنت ساعات اسمع بليل بيتكلم مع واحدة في أوضته، وكنت اقول لنفسي يمكن بيتكلم في التليفون، بس كنت بستغرب لأني كنت بسمع صوتها لكن مش بفسر كلامها، وأسأل نفسي، هو ليه طيب فاتح الاسبيكر؟!..
ومن بعدها انعزل تماما عننا، حتى مبقاش ياكل، وكل فترة ألمحه بالصدفة لو قومت قبل الفجر بكتير، داخل الحمام، ولما اكلمه ميردش، حتى مكانش بيبص لي وانا بكلمه!!، حاولت كتير اكلمه، مكنش بيرد عليا وعلى طول قافل عليه باب أوضته، وبعدها الوضع اتطور وبقيت اسمعه بيكلم ناس كتير، أصوات كتير في أوضته تشبه الهمس، ولما كنت أخبطت عليه، كان يزعق لي، ووصل الامر أنه بقى يشتمني أنا وأخواته لو حد فكر بس يخبط عليه، لحد من اسبوع مشوفتوش خالص، حتى مبقتش سمعه له أي صوت، فقررت أنا والبنات نكسر الباب، خبطت على جارنا وطلبت منه يساعدنا، ولما دخلنا لقيناه زي ما أنت شوفت كده…
طلبت من والدته اني ادخل أوضته، يمكن ألاقي حاجة تقدر تعرفنا سبب الحالة اللي هو بقى عليها دي، وفعلا سابت اخواته البنات معاه في المستشفى ورجعت معاه البيت ودخلت اوضته على طول..
بدأت افتش فيها، ولقيت حوالي 10 كتب كلهم بيتكلموا حوالين موضوع واحد تقريبا، هو كيفية معايشة البشر من زوجاتهم وأزواجهن من الجن!!، بدأت اتصفح الصفحات وكنت بلاقي طلاسم وطقوس معينة، رسومات لأشكال مختلفة من الشياطين، وساعتها حسيت بحرارة الأوضة بتترفع، كأن فيه نار جوه الأوضة وجاية من تحت السرير، حاجة من جوايا خلتني بدون تفكير أشيل المرتبة، عشان ألاقي تحت السرير، حشرات ودود بالكوم!!، اطباق نحاس، وبخور، وتراب بكميات كبيرة، وبواقي شموع دايبة..
كنت أنا ووالدة محمود في قمة الذهول والاستغراب، وحسيت أن الأرض تحت رجلي سخنت كأن خارج من تحتها نار، ولما رفعت السجادة، لقيت رسومات كتير زي اللي في الكتب، ورموز، مثلثات ونجوم سداسية، ورؤوس لشياطين!!!..
ساعتها تليفون والدة محمود رن، وكان إحدى بناتها وقالت لها أن محمود فاق، لكنه في حالة يرثى لها، أخدتها بسرعة وجرينا على المستشفى، وكان محمود في حالة متتوصفش، كأنه في عالم تاني، نظراته حيرانة على السقف وبيقول بخوف:
أنا مش عايزك، ابعدي. ابعدي عني، مش عايزك..
طلبت منهم يسيبوني معاه، واول ما بقينا لوحدنا وقبل ما اتكلم، سمعت صوت في حمام الأوضة، ولما بصيت، لقيت الباب مفتوح، ولمحت في الضلمة كأن حاجة عدت جوه الحمام!!، قومت فتحت نور الحمام، عشان أقف مصدوم!!، قاعدة الحمام مقفولة، وعلى غطاها نفس الرموز اللي كانت على الأرض وجوه الكتب، كسر خوفي ودهشتي صوت محمود وهو مش قادر ياخد نفسه وبينادي عليا بصوت مبحوح، خرجت وروحت للسرير وقعدت جمبه، مد ايده بصعوبة مسك ايدي والدموع بتنزل من عنيه وقال:
متزعلش مني أرجوك، كان غصب عني يا حسام، انا عارف اني غلطت ومتقبل النهاية لنتيجة غلطي، لكن أنا فوقت، وساعتها حاولت اغير الوضع اللي حطيت نفسي فيه، بس مقدرتش، كان الوقت فات على التغيير ده، لأني من الاول تماديت في الغلط، بدأت بحلم، واحدة حلوة في الحلم فتنتني، مع الوقت كان بيتكرر الحلم، وكل مرة بحس أنه حقيقي، كأنها حياة تانية جوه عالم تاني، اتعرفت عليهم، وشوفت حياتها وأهلها، واتجوزتها، وكنت بعيش معاها كل التفاصيل، لكني فجأة فوقت وحسيت ان اللي بعمله غلط، حاولت أبعد، لكنها مرضيتش، وهددتني لو فكرت ابعد هتموتني، حاولت اوصلك منعتني، حبستني جوه عالم أنا معرفوش، كنت بشوف نفسي جوه اوضتي بس مش انا، ولا ليا سُلطة على نفسي، كنت بسمع نفسي بشتم امي واخواتي، بزعق فيهم لو حد خبط عليا منهم، بمارس سحر وبعمل حاجات غريبة، ووفقدت السيطرة على نفسي نهائي، ومعرفش ايه حصل، يمكن دعوات أمي، يمكن حبهم ليا، خلى امي تدخل أوضتي في الوقت ده، معرفش السبب، يمكن الكائن الأنثوي اللي كان مسيطر عليا كانت بتستخدمني لحاجة معينة، ولما اتحققت قررت تسيبني، معرفش، مش عارف حاجة، لكني متقبل النهاية، وعارف أنها لسه هنا، حاسس بوجودها، حاسس أنها حوالينا، أرجوك. خلي بالك من أمي وأخواتي..
طمنته انه هيبقى كويس، وان مفيش اي حاجة تقدر تأذيه، لا بشر ولا حتى جن، وان وقع ضُر على الإنسان بسبب كده، فده بإذن ربنا، وقادر ربنا يرده ليه، طلبت منه يرجع بقلبه لربنا، يطلب المغفرة بقلب سليم، ويستعن بالله، وساعتها ربنا هيكون جمبه..
قفلت باب الحمام، واخدت تليفونه من والدته وحطيته في الشاحن وشغلت القرآن، واتفقت معاها ومع اخواته اننا هنعمل ورديات نكون جمبه فيها، ومينفعش نهائي نغفل عنه، وسيبنا إحدى اخواته معاه ورجعت مع الباقي البيت، دخلت أوضته وبدأنا ننضفها، وحرقت بعدها كل الكتب اللي لقيتها عنده، وسيبنا القرآن شغال فيها..
وروحت بعدها صليت في المسجد، وبعد الصلاة قعدت مع إمام المسجد وحكيت له اللي حصل، فقال:
_ ممكن يا ابني ده يحصل فعلا، ممكن يكون صاحبك حد عامله حاجة في الاطار ده، واستخدمه في حاجة معينة لتنفيذ سحر او ما شابه، لكن الأقرب هو أن صاحبك اتفتن من واحدة من الجن، وعاش معاها، ولما فاق هي عملت فيه كده، ويمكن لأنه كان متدين زي ما أنت قولت ده خلاه يفوق، وده يمكن السبب اللي خلاها تفتنه، أصل دول ما بيروحوش لأهل السوء، دول بيختار الأخيار عشان يبعدوهم عن طريق ربنا، خليكوا جنبه، ولما يخرج من المستشفى إن شاء الله، بلغني وهنعمله زيارات، وبإذن الله هيكون كويس..
فات بعدها 4 شهور تقريبا، خرج محمود من المستشفى، وعملنا فيهم جلسات كتير لعلاجه بالقرآن، في الأول كان بيتشنج وبيخرف، وبيتكلم بصوت نسائي غليظ، ومع تكثيف الجلسات بقى في حال أفضل، يمكن مرجعش زي الأول 100٪، لكن على الأقل بقى يقدر يصلي، بقى بياكل، ويقعد مع أهله، لسه فيه توابع وبيحكي عن كوابيس وأحلام غريبة، وعن احساسه بوحودها معاه في مل مكان، لكن الشيخ قال إن ده طبيعي، ومع الوقت وإلتزامه، هيبقى في حال أفضل إن شاء الله..
تمت..
وحضرتك، تفتكر فعلا فيه حالات عشق من العالم الآخر، ولا دي مجرد حكايات خيالية ملهاش علاقة بالواقع؟.
تمت.
المفتون